أخبار الصحف السعودية

صحيفة النادي | من دهر.. الإتي وليد جدة والبحر … الساعاتي يروي قصة تأسيس العميد الثمانيني

يحتفي الاتحاديون اليوم بمرور 88 عاما على ميلاد أعرق أندية المملكة الاتحاد، النادي الذي منح الضوء الأخضر للرياضة بوجه عام وكرة القدم بوجه خاص لتكون من صميم النسيج الاجتماعي في المملكة، فكان رائدا في مسيرته، أنموذجا انبثقت منه بقية الأندية لتصل بعد قرابة تسعة عقود إلى 170 ناديا، عميدها ابن جدة الثمانيني الوقور الذي لم يشخ أبدا وظل واجهة مشرقة وعميدا حتى في ريادته الآسيوية فهو للآن الوحيد الذي حقق اللقب الآسيوي بمسماه الجديد مرتين، فيما عجزت جميع الأندية عن الفوز به، كتأكيد عملي على الريادة.
الدكتور أمين ساعاتي المؤرخ الرياضي الكبير، الذي عاصر(عميد الأندية) في مراحل عديدة من تاريخه لعبا وإداريا وصحفيا وناقدا وحكما، فتح ملفاته وذكرياته لـ(النادي) متحدثا عن قصة تأسيس (النادي الثمانيني) متخذا اسلوب السرد لقصة البدايات بتفاصيلها وموردا حقائق بالوثائق(لريادة الاتحاد) مدعمة بصور تاريخية تنشر لأول مرة عن لقصة تأسيس نادي الاتحاد.
استهل المؤرخ الكبير حديثة قائلا: جدة كانت ومازالت عاصمة الرياضة السعودية، ففيها تأسس الاتحاد نادي الأندية السعودية، عميدها المغوار. جدة هي التي فجرت قريحة شاعرها محمد درويش الذي أهدى النادي لقب “العميد” حينما أنشد قصيدته التاريخية الاتحادية التي جاء فيها :
فريقُ الاتحاد بكم أشيدُ
أنتمُ في البلاد غداً عميدُ
بمعنى أن نادي الاتحاد واجهة حضارية لمدينة جدة يصطف جنباً إلى جنب مع: الكنداسة(ماكينة التحلية القديم) ومدارس الفلاح وسوق البدو وجامعة الملك عبد العزيز وبيت نصيف والميناء الإسلامي ومسجد عكاش وصحيفة عكاظ والكورنيش. ليكونوا في استقبال ضيوف جدة، ولميلاد الاتحاد قصة مثيرة هذه تفاصيلها:

تأسس في عام 1347هـ (1927م)
جدة مدينة عريقة يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، يقال إن بها قبر أمنا حواء، وولد الاتحاد من رحم جدة، وعند تأسيس النادي يوم الأربعاء 21 رجب 1347هـ. الموافق 2 يناير 1929م الموافق 12 الجدي 1307هـ. ق، فإن المسافة بين مقبرة أمنا حواء وملعب الاتحاد لا يتجاوز الـ100 متراً، وعراقة جدة أفرزت مولوداً رياضياً شامخاً نجيباً اسمه نادي الاتحاد، وكما لجدة من جاذبية ووجاهة وهيمنة، فـ(عميد) الاندية أخذ من أمه جدة الكثير من الخصال، ففيه تنصهر جميع عناصر المدينة العريقة والأندية الأخرى أخذت تقلد الاتحاد وتحاكيه.
الاجتمـاع التأسيـسي لنادي الاتحاد:

المؤسسون: عبدالعزيز جميل، علي سلطان، عبدالله بن زقر، عبدالرزاق عجلان، حمزة فتيحي، عبداللطيف لنجاوي.
قصة التاسيس
في ذلك اليوم من شتاء جدة اللطيف وقبل أن يبدأ التمرين في فريق الحجاز الرياضي وهو ـ كما ذكرنا ـ أول فريق سعودي ينشأ في المملكة، اتجهت ” التقسيمة ” إلى استبعاد كل (نجار أو قراري أو بناء أو خباز أو قهوجي أو فران أو حلواني أو عامل يعمل في الحجر والطين). وكان قبلها قد تناثر الكلام عن الرغبة في استبعاد هذه الشريحة من اللاعبين من فريق (الحجاز الرياضي) لأن اللاعبين والإداريين يجب أن يكونوا من طبقة اجتماعية لا تريد أن تختلط بالطبقات الدنيا!
وكان مجلس الإدارة منقسماً، فمحمد رضا ومحمد جار وحسين نصيف وأحمد زاهد وعمر نصيف وعيسى جمجوم، كانوا مع اختيار المميزين (الكلاس) من اللاعبين، فيما يرى عبد العزيز جميل وعبد الله بن زقر وعبد الرزاق عجلان وعبد اللطيف لنجاوي وصالح سلامة وعثمان باناجة وزهران إسماعيل، أن الرياضة للجميع والكرة للكل.
وبعد اشتداد النزاع غضب عبد العزيز جميل، وقال أصحابه: تعالوا نجتمع في غرفة اللاسلكي -غرب الملعب.
وفي هذه الغرفة المبنية من الحجر المنقبي ولد “العميد” أول ناد سعودي. ولها باب واحد يطل على الشرق وشباك يطل على الغرب وشباك ثان يطل على الجنوب ويسمح لنسمات الهواء (الأزيب) أن تنساب إلى الغرفة وتتخلخل في جميع أرجائها. الجو شديد الرطوبة.. مساحة الغرفة لا تتجاوز 6 × 9م2.
دلف عبد العزيز جميل، وتبعه صالح سلامة المعروف بلقب (كبير اللاعبين) ثم (الحاد) عبد الله بن زقر و(الوقور) عبد الرزاق عجلان، ورافقه (العم) حمزة فتيحي، الشاب حينها، ثم دخل عثمان باناجة بـ”الأشطف” وزهران إسماعيل وعبد اللطيف لنجاوي، وفي غرفة اللاسلكي استقبلهم موظف اللاسلكي صالح باوزير، ورغم أن صالح باوزير كان قد رحب بالشباب، إلا أن كلماته كانت ترتعش بالقلق لأنه حول الغرفة من غرفة عمل إلى غرفة اجتماع للاعبي (الكورة)، لكن عبد العزيز جميل لم يترك القلق يفترسه فسأله: هل يمر العم على سلطان مدير البرق والبريد عليكم في غرفة اللاسلكي؟!. قال باوزير أحياناً يمر ولكن ماله وقت!
فقال عبد العزيز جميل: إذا مر أخبره بأنه أصبح رئيساً للنادي الذي سوف نعلن عنه بعد قليل من هذه الغرفة.. غرفة اللاسلكي التابعة لإدارة البرق والبريد.
بدأ عبد العزيز جميل، الحديث: أشوف أن الأمور بلغت نهايتها مع الإخوان وليس أمامنا إلا تأسيس ناد ينبذ التفرقة بين الشباب، فكلنا إخوان وأبناء بلد واحد، وعلى هذا نؤسس نادينا متحدين على هذا المبدأ، مبدأ الاتحاد وعدم التمييز. في تلك اللحظة(الشتوية) في 21 رجب 1347هـ رفعت جدة أعلام الفرح الاتحادي، وخارج الغرفة كان أفراد فريق الحجاز الرياضي (يتشعترون) في الملعب كأنهم يلعبون لعبة “الكاشو”، وكان الكل ينتظر ما يسفر عنه اجتماع (الإخوة الألداء) الذين لم يعجبهم قرار إبعاد بعض اللاعبين عن فريق الحجاز الرياضي.
وفي الاجتماع دار الحوار التالي:
* عبد العزيز جميل: طبعاً إنتوا شوفتوا إيه اللي حصل في التمرين، ولكن أنا أرى إن الرياضة ما فيها كبير. الرياضة للجميع، ولكن الإخوان محمد رضا ومحمد جار وحسين نصيف وأحمد زاهد ومن معهم لم يعيروا كلامنا أي اهتمام، ونحن نحترم رأيهم ولكن لا نتفق معهم.
* قال عبد الله بن زقر، بغضب: أنا ما أعرف من أعطاهم حق استبعاد مجموعة مهمة من اللاعبين زي علي يماني.
* وقاطعه صالح سلامة بهدوء: هل استنفذنا معهم كل وسائل الإقناع؟!
* عبد العزيز جميل: حاولت أن أثنيهم ولكنهم يصرون.
* سلامة: طيب ما هو الحل؟
* عبد العزيز جميل: نؤسس ناديا آخر.
* سلامة: هل فكرتم في اسم النادي؟
* جميل: قبل أن نحدد الاسم يجب أن نوافق على الفكرة.
* سلامة: أنا أعتبر الفكرة تمت الموافقة عليها ولكن المهم الآن الاسم.
* بن زقر: الأسماء كثيرة في أندية مصر وأندية السودان.
* جميل: نريد أندية في المدن الساحلية مثل مدينة جدة.
* بن زقر: مثلاً الاتحاد أو…
* عبد العزيز جميل: لا تكمل يا عبد الله.. الاتحاد مناسب جداً لأنه يعبر عن اتحادنا معاً.
* وبارك الجميع الاسم ورددوا بالإجماع: على بركة الله الاتحاد قوة!
وقبل أن ينفض الاجتماع تعهد زهران إسماعيل بإحضار ملابس الاتحاد من السودان ووعد بأنه سوف يكلف أحد أصدقائه بإرسال (الفانلات) في أسرع وقت ممكن.
وقبل أن تلملم الشمس آخر أرديتها الذهبية خرج من غرفة اللاسلكي وهم يحملون رضيعاً يلملمون أطرافه في (كوفلة) صفراء وسوداء وينادون بأنهم قد أطلقوا على وليدهم اسم الاتحاد ويضم جميع الأطياف ويفتح صدره وقلبه لكل راغب حتى لغير السعوديين.
هوية خاصة
كانت الهوية الاتحادية، منذ البداية هي هوية حضارية تعبر عن الرياضة في أرقى هاماتها، لم يكن الاتحاد عنصرياً ولا نادياً (شوفونيا) ولو كان كذلك لما ولد الاتحاد وظل عميداً حتى اليوم. لم ينزعج منسوبو فريق الحجاز الرياضيون حينما علموا بأن نادي الاتحاد تأسس بعد الانسلاخ، كانوا مرتاحين بالقرار لأن المنسلخين كانوا يضايقونهم بالفعل.
وهكذا تأسس الاتحاد وكان منذ البداية قوياً لأنه يحمل هوية المجتمع الجداوى الأصيل، وحينما يؤسس الكيان على أساس متين، فإنه يكبر ويترعرع، وحينما يكون الكيان على غير أساس فإنه يضمر وينسل وهذا ما حدث للاتحاد الذي أخذ ينمو وبكبر ويترعرع، بينما أخذ كيان فريق الحجاز الرياضي يصغر ويضمر ثم يضمحل ويتلاشى.
وبعد أن أعلن المؤسسون ميلاد نادي الاتحاد العربي السعودي، شدد جميعهم على (العربي السعودي) حتى يعطوه هوية الوطن وولاء النادي للملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- الذي دخل جدة في يوم الخميس غرة جمادى الثانية من العام 1344هـ أي قبل ثلاثة أعوام من تأسيس الاتحاد.
ولا يمثل نادي الاتحاد حياً واحداً كما الأندية الأخرى، وإنما يمثل كل أحياء جدة، ثم يمثل كل أحياء المدن السعودية، بل يمثل كل أحياء عالمنا العربي، وكان عبد العزيز جميل، يحدثني بهذا السيناريو الجميل ويكرر الكلمات ليؤكد أنه يفتخر بأنه وزملاؤه وراء هذا الحدث الكبير.
الجداوى يفخر بالاتحاد..
والسعودي يعتز بالاتحاد..
حينما نجوب أزقة جدة القديمة نرى الاتحاد في كل زقاق، في كل منعطف، في كل شارع، قد تنتقل من حارة إلى حارة من اليمن إلى المظلوم، أو من الشام إلى البحر ولكن الإحساس بالاتحاد يظل يغمر مشاعرك وأحاسيسك وأنت تزور كل الحارات القديمة.
ارتباط الاسم بالثغور
واللاعبون الذين فرحوا بقرار التأسيس والولادة وانخرطوا في التمارين منهم: أحمد تكروني، وطموش، وعلي عماشة، وعلي يماني، وبكر غريب شاه، وأحمد أبو طالب، وإبراهيم أبو شوشة، وعبد الله العدني، وحسن كامل، وحسين العدني.
وقال لي العم عبد العزيز جميل أن المؤسسين اجتمعوا في اليوم التالي ببيت عبد العزيز جميل بالكيلو اثنين طريق مكة، ليشكلوا مجلس الإدارة ويضعوا بقية الأسس اللازمة لقيام ناديهم، كالشعار، والملعب، واللاعبين.
وبالنسبة لاختيار اسم ” الاتحاد ” كاسم على هذا النادي العريق، فلم أجد جواباً من كل الذين اجتمعت بهم من المؤسسين المذكورة أسماؤهم أعلاه، ولكن البعض قال لو نظرنا إلى المناخ الرياضي السائد في المنطقة، فإننا نجد أن هذه المدينة كانت تتأثر رياضياً بمدينة الإسكندرية ثغر مصر على البحر المتوسط، كما كانت تتأثر بمدينة بورسودان ثغر السودان التي تقع على الساحل المقابل في البحر الأحمر.
إزاء ذلك لا أستبعد أن يكون اختيار اسم ” الاتحاد ” هو تيمناً باسم (الاتحاد السكندري) المصري الذي كان موجوداً قبل تأسيس الاتحاد الجداوي بسنوات، أو تيمناً بـ(اتحاد بورسودان) الذي كان يقع ـ كما ذكرنا ـ على الساحل المقابل من البحر الأحمر، وكان الاتحاد ـ عن طريق زهران إسماعيل ـ يستقدم منها ملابس لاعبيه الرياضية.
الوجاهة سر اختيار سلطان
وبالنسبة لرئاسة النادي فقد أبلغني الجميع أنهم اختاروا علي سلطان رئيساً بحكم أنه كان يحتل منصباً حكومياً وجيهاً ورفيع المستوى في مدينة جدة آنذاك (مصلحة البرق والبريد)، وبذلك فإن مجلس إدارة الاتحاد الذي تشكل في عام 1347هـ (1927م). هو أول مجلس إدارة في تاريخ الاتحاد وتاريخ الأندية السعودية.
مساحة لا مسافة
من الاتحاد انبثقت أندية كثيرة وكل الرياضيين السعوديين على موعد مع نادي الاتحاد بجدة، عبد الرحمن بن سعيد مؤسس الهلال الزعيم قال لي حينما أسست الهلال كانت أمنيتي الغالية أن ألعب مع الكبير.. مع (البكري).. مع نادي الاتحاد.
ولذلك فإن نادي الاتحاد يتميز عن غيره من الأندية بأنه مسافة لا مساحة، أي أن له امتدادا مديدا وفيه لاعبون من كل حارات جدة وأزقتها وشوارعها، فيه لاعبون من(حارة اليمن والشام والبحر والمظلوم والبغدادية والشرفية والرويس وأبحر والهنداوية والثعالبة وعنيكش والقوزين والروضة والسلامة والحمراء والخالدية والكورنيش والشاطئ).
الاتحاد فيه منتمون من كل الأماكن والبلدان، وفيه من كل الطبقات، ففيه المتعلم ونصف المتعلم وغير المتعلم ومتوسط الحال والفقير والغني وفيه الوزير والمدير والغفير، وكلهم يذوبون في حب الاتحاد.
للاتحاد صفة لا يجاريه فيها أحد، فهو (عبقري) كلما تقدم به السن لا يشيخ أبداً، ولا يكبر وإنما تزيده الأيام نضارة وشباباً وتجارب وقوة وانتصارات.
حينما نشأ الاتحاد كانت جدة مخنوقة بالسور (سور جدة العظيم) لكن الاتحاد كان أول (ظاهرة جداوية) رفضت الاحتباس داخل السور، بل كان الاتحاد رمز التمدد والنمو، ولذلك تمرد الاتحاد على السور واجتمع مؤسسوه في غرفة اللاسلكي وكانت تقع خارج السور، ثم قرروا ممارسة نشاطهم خارج السور، شمال مقبرة أمنا حواء.

عبقرية النادي والمكان

وإذا كان نادي الاتحاد يوصف بالعبقرية فإن موقع ملعب الاتحاد كان عبقرياً أيضاً.
أولاً: الموقع جاذب للشباب ويساعد على سهولة الاتصال والوصول لأنه ينفتح على بوابتين باب جديد شمالاً، وباب مكة شرقاً، وبذلك يفتح صدره للشباب من كل الحارات ومن كل الطبقات لا تمييز ولا تفريق.
– منذ أن وطأت أقدام الاتحاد حارة العمارية بدأ الناس يتمردون على السور الذي كان يخنق طموحاتهم ويجثم على صدورهم، ويزحفون حول ملعب الاتحاد ويمتلكون الأراضي، ويبنون بيوتاً عليها.
– حين انتقل الاتحاد إلى حي البغدادية شهد الحي حركة عمرانية واسعة.
العميد يوثق ميلاد الأهلي!
وحينما تأسس الأهلي بجوار الاتحاد في عام 1357هـ كان يبحث عن شهادة ميلاد من نادي الاتحاد فلعب مع رديف الاتحاد (شباب الاتحاد) مباراة خسرها الأهلي، ولذلك لم يحصل من الاتحاد على شهادة ميلاد، فتغافل عنه الزمن، ونام 9 أعوام، ولعب مع الاتحاد في يوم الجمعة 9 جمادى الأولى 1370هـ وتعادل معه وعندئذ منحه الاتحاد شهادة ميلاده أي شهادة اعتراف بوجود حقيقي للأهلي.
نمو جدة والاتحاد
نمو جدة الأول جاء بعد إسقاط السور في عام 1367هـ، وانعكس على الاتحاد، فنمى هو الآخر وخرج نحو البغدادية. وحينما نمت جدة نموها الثاني في منتصف السبعينيات الهجرية، انتقل الاتحاد معها من البغدادية إلى الشرفية وعاش مرحلة أطلق عليها اسم العصر الذهبي للاتحاد، وفي نمو جدة الثالث مع بداية القرن الخامس عشر الهجري واتساعها شمالاً بمحاذاة شرم أبحر وشمال شرق الخط السريع، تربع الاتحاد في شارع الصحافة.
ولو استقرأنا الواقع اليوم نجد أن جدة تمتد إلى الشمال بوتيرة أكبر من تمددها نحو الجنوب أو الشرق، أما الغرب فإن البحر الشامخ يفتح ثغره الباسم لكل أحباب جدة ويدعوهم إلى المرح والفرح المصبوغ باللون الاتحادي الأصفر والأسود.
النمو الجغرافي
في خريطة توزيع (العميد) نجده وينتشر على الحارات في إطارها الجداوي العام، ولا يتخصص في حارة واحدة، يبدأ من خارج سور جدة من غرفة اللاسلكي ثم يتمدد إلى الداخل ويرسم بصفة تقريبية نصف دائرة، وهذا القوس الذي يبدأ من حارة الشام ثم حارة اليمن حتى يعود إلى الطرف الآخر من القوس حيث ينحني على حارة المظلوم.
وفي العقد الثاني من عمره يتجاوز السور ويعود إلى قاعدة الانطلاق في حارة العمارية (خارج السور) ومنها ينطلق مع الامتداد العمراني إلى كل الحارات حتى يلامس ساحل البحر الأحمر وعلى أطراف البحر ينشئ الاتحاد العلاقات مع كل مدن الساحل الوجه، ضباء، ينبع، ثم يتعرج إلى مدينة الرسول.
منحت جدة المتميزة بانتشارها على كل المدن السعودية، الاتحاد سهولة الانتشار في المدن السعودية والخليجية والعربية. وإذا كان الاتحاد قد تراجع في المنطقة الوسطى مع بداية الثمانينيات والتسعينيات ببزوغ الشباب والرياض والنصر والهلال وانتشارهم، فهو جبهة قوية زاحفة بقوة لعقود مديدة.
تاريخ تأسيس الاتحاد.. الإثباتات والشواهد
البعض له وجهة نظر فيما يتعلق بتأسيس الأندية السعودية، ويقولون كيف نشير إلى أن الكرة بدأت في مكة المكرمة، ولكن أول ناد سعودي تأسس في جدة. والسؤال يبدو معقولاً، لكن الحقائق على الأرض تؤكد بأن البيئة السياسية المستقرة وفرت لشباب جدة فرص تنظيم أنفسهم وممارسة هواياتهم الرياضية، وحتى هواياتهم الأدبية، ولكن في مكة المكرمة كان الأمر مختلفاً تماماً، كان الملك عبد العزيز منذ دخوله إلى مكة المكرمة محرماً في عام 1343هـ(1924م) كان يناقش مع أهالي مكة، أسس بناء الدولة ابتداء من الاتفاق على مبايعته ملكاً شرعياً للبلاد، ثم تشكيل المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني الجديدة، أي أن مكة وأهلها وشبابها كانوا مشغولين بالعمل الاجتماعي والسياسي أكثر من انشغالهم بالعمل الرياضي، أمّا الرياضة ـ كما ذكرنا ـ كانت تشغل اهتمام الجاليات الإندونيسية والجاوية والمالوية أكثر من انشغال شباب مكة بها، ولهذا بدأت الكرة في مكة ـ عبر الجاليات ـ قبل جدة، أي أن أهالي مكة شيوخها وشبابها اهتموا ببناء الدولة الجديدة وإنهاء مخلفات النظام السابق، ووفروا على شباب جدة مهمة العمل السياسي الذي تم الاتفاق عليه بين أهل مكة وبين الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه.
وهكذا، بالنسبة لجدة الوضع كان مختلفاً ـ كما ذكرنا ـ إذ أن أهاليها وشبابها وجدوا حكومة قد جرى الاتفاق على تشكيلها في مكة، ومبايعة للملك العادل قد تمت، ودولة فتية قائمة، واستقرار سياسي بدأت بوادره تلوح. وهكذا كانت المصالحة بين شباب جدة مع البيئة السعودية الجديدة.. سبباً في انشغال شباب جدة بتأسيس أول ناد سعودي باسم الحجاز الرياضي في عام 1346هـ(1925م) وانخرط فيه مجموعة كبيرة من أبناء البيوتات الكبيرة مثل: بيت زينل وبيت زاهد وبيت باناجة وبيت الجمجوم وبيت نصيف وبيت جميل وبيت الجار وبيت عجلان وبيت اللنجاوى.
تمييز أثر في المسيرة
لعب التميز الطبقي في المجمتع الجداوي والحجازي بشكل عام دوراً في التأثير على مسيرة النادي الجديد، مما أدى إلى بزوغ ناد جديد اسمه الاتحاد وفقاً لتطلعات النظام السعودي الجديد. ولذلك فإن عجلة التصحيح التي كان يقودها المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- أزالت بعض الانحرافات الاجتماعية مما أدى إلى الاختلاف بين مؤسسي الحجاز الرياضي والاتفاق على تأسيس ناد يجمع ولا يفرق، وهو نادي الاتحاد العربي السعودي. وهكذا تأسس نادي الاتحاد العميد في عام 1347هـ(1927م) منشقاً من الحجاز الرياضي الذي لعب مع الاتحاد مباراة آخر العمر في عام 1351هـ (1932م)، وانتهت المباراة بفوز الاتحاد 3-0 وكانت الضربة القاضية للحجاز الرياضي أو الرياضي الحجازي، وهذه المباراة تؤكد بأن الاتحاد ليس امتداداً للحجاز الرياضي وإنما هو منبثق عنه وتأسس في عام 1347هـ وليس في عام 1346هـ.
والجزم بأن نادي الاتحاد بجدة تأسس في عام 1347هـ يستند إلى الكثير من الشواهد والحقائق، وأول هذه الشواهد هو الاتصالات التي أجريناها مع المؤسسين أنفسهم الذين أقروا بأنهم أسسوا نادي الاتحاد في غرفة اللاسلكي في ملعب نادي الاتحاد الأقدم الواقع أمام مقبرة أمنا حواء ومن هؤلاء المؤسسين عبد العزيز جميل، عبد اللطيف لنجاوي، عبد الله بن زقر، عبد الرزاق عجلان، حمزة فتيحي، وزهران إسماعيل، وعثمان باناجة، وعبد اللطيف جميل، وعباس حلواني، وصالح سلامة، وعبد الصمد نجيب، وعبد الله جميل.
صوت الحجاز تنصف
وفي صحيفة صوت الحجاز نشرت في عددها رقم (2) بتاريخ الاثنين 5 ذي الحجة 1350هـ الموافق 11 إبريل 1932م تعليقاً على مباراة بين الاتحاد والفلاح انتهت بالتعادل صفر/ صفر، هذه المباراة أقيمت بعد تأسيس الاتحاد بثلاث سنوات، وإذا قرأنا مقتطفات من التعليق نشعر إن إمكانات الاتحاد وأجواء المباراة تؤكد أن الاتحاد تأسس قبل ثلاث سنوات أو أكثر بينما فريق الفلاح تأسس حديثاً، وجاء في التعليق على المباراة:
” تعد هذه المباراة أول مباراة لفريق الفلاح لأنه تأسس قريباً فكل نقص ينسب إليه يضمحل، إذا ما نظرنا إلى مدة تأسيسه وما أبداه من الدفاع والاستبسال، فقد اجتهد الظهيران واستماتا إلى حد بعيد وكان الدفاع المتحرك له في غاية من المتانة والقوة الفنية مما جعلنا نؤمل فيهم في المستقبل ما يثلج الصدور، أما الاتحاد وهو أقوى الفرق الحجازية لأن فيه من اللاعبين من مارس الألعاب الرياضية في السودان ومصر فقد كان قوياً غير أن الذي يعاب عليه استهتاره وغطرسته نحو خصمه مما يجعله يخرج في أغلب المباراة، إما مغلوباً أو متعادلاً، فلو ترك هذه العادة واعتمد بنفسه وحَسَّبَ لخصمه كل شيء لكانت نتائجه بشكل ثان وأملنا في جميع الفرق النهوض والاستمرار مع المحافظة على أصول الألعاب وعدم الخروج عنها ومسامحتي في المراقبة هذه فليس لي غرض سوى خدمة الحقيقة”.
ولو تأملنا العبارة التي جاءت في التعليق والتي تقول:
” أما الاتحاد وهو أقوى الفرق الحجازية لأن فيه من اللاعبين من مارس الألعاب الرياضية في السودان ومصر فقد كان قوياً… “.
هذه العبارة كافية للقول بأن تاريخ نادي الاتحاد يرجع ـ على أقل تقدير ـ إلى ثلاث سنوات مضت، وإذا أضيف إلى ذلك إجماع المؤسسين بأن نادي الاتحاد تأسس في عام 1347هـ فإن المباراة التي أقيمت في عام 1350هـ بهذا الزخم الاتحادي ـ كما جاء في التعليق ـ كافية للتأكيد على أن الاتحاد هو العميد وأن تاريخ تأسيسه لا تشوبه أي شائبة، كما أن صحيفة صوت الحجاز علقت في عددها (8) بتاريخ 25 محرم 1351هـ الموافق 30 مايو 1932م، ص8. على المباراة التي أقيمت بين الاتحاد وفريق الرياضي الحجازي (الأب) وانتهت المباراة بفوز الاتحاد 3-0 وبعد هذه المباراة لم تقم قائمة لفريق الرياضي الحجازي الذي خرج نادي الاتحاد من تحت عباءته.



اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الرجاء تعطيل إضافة مانع الإعلانات حتى تواصل تصفح الموقع