أخبار الصحف السعودية

صحيفة الاقتصادية | الأسطورة نور

بتال القوس

في حياتنا وآدابنا وثقافاتنا، نستخدم بعض المفردات وحينما يطلب منا تعريفها، نصاب بشيء من الحيرة رغم فهمنا الكامل لمعناها، مفردة “الأسطورة” أقرب مثال على ذلك.

في الموروثات اليونانية القديمة، تم تعريف الأسطورة على أنها: القصة المقدسة. الثقافات الحديثة تكاد تتفق على أن الأسطورة هي: قصة عادية تروي أحداثا خارقة، لا توجد إلا في الخيال. من التعريف الأخير يذهب مريدو أي شخصية إلى إلباس محبوبهم رداء الأسطورة بسبب ما فعل، مما هو أقرب للخيال، ومن هنا، جاءت تسمية نجم الاتحاد التاريخي محمد نور بـ”الأسطورة”، فتىً كتب قصته الرياضية بتفاصيل خارقة أقرب إلى الخيال في حقيقة مشهودة واضحة، وحتى في التعريف اليوناني نور أسطورة حقيقية.

كنت أتحدث يوما إلى الهولندي فاندرليم مدرب المنتخب السعودي السابق، قال وهو ينظر إلى نور: “هذا الشاب يستطيع أن يهزم فريقا لوحده”، ابتسمت وقلت: لا أحد يفعل ذلك غير مارادونا. رد بسرعة: لديه قوة داخلية يمكن توزيعها على فريق بالكامل، إنه رجل لا يعرف الهزيمة. الأوروجوياني كارينيو يعترف: نور لديه قدرات القائد الفطرية، ويكمل: هذه هبة من الله لا تستطيع أن تزرعها في أحد، ويختم: تمنيت لو عرفت نورا في بداياته الرياضية وليس في ختامها.

عندما يأتي الحديث عن نور، تصعد في ذاكرتي أحداث كثيرة، واحدة منها مباراة اتحاد جدة أمام ناجويا الياباني والسداسية الشهيرة، آنئذ سجل نور قائما وقاعدا وعلى جنوبهم، وفتك باليابانيين كفارس من العصور الوسطى.

.. رغم تعثر مسيرة نور الدولية تحت قمصان المنتخب الأول لأسباب ليست فنية، إلا أنه لاعب لا يمكن تجاوزه عند الحديث عن كرة القدم السعودية والآسيوية، لاعب تشعر بأنه يملك ريموت كنترول في الملعب يحرك به اللاعبين الآخرين، المنافسين والزملاء، والجميع يستجيب لسطوته.

.. اتحاد جدة الكبير المهاب، الممتد تاريخا كناطحة سحاب، والممتلئ إنجازات كأرصدة بيل جيتس، يمكن تقسيم تاريخه إلى جزءين، اتحاد ما قبل نور، واتحاد نور، وما بين الحقبتين مسافة شاسعة كالسماء عن الأرض. في الحقبة الأولى خُلق الاتحاد، النادي العظيم يقاتل ليقف بجانب الأنداد، وفي الحقبة الثانية عرف التحدي، ولبس ثياب الثقة وبات اتحاد نور الذي أزاح كل شيء عن طريقه ومضى إلى القمة القارية لا المحلية فقط.

.. كل شيء له نهاية، إلا الحب، حتى وإن غاب أحد أطرافه، تظل ذكراه تهاجم القلب، كنقاط ماء تتسرب من صنبور غير محكم الإغلاق، لا هو يسقي الظمأ ويتفنن في خرق جدار الصمت والنسيان، كذلك نور حاليا مع محبيه، كان من الحكمة أن يعلق الحذاء قبل ثلاثة أعوام، ولم يفعل، ومنح الآخرين فرصة العبث بتاريخه الأسطوري، أخطأ نور.. وأتفهم جيدا تمسكه بالبقاء، فالرحيل عن عالمه الأسطوري أشبه بالموت، ولكنها الحياة يا أسطورة، لا بد من الرحيل يوما، وسَلِّ الدموع تنبئك عن الراحلين يا نور.

الفتى المكي البسيط، الذي تحول إلى أسطورة رمزية لنادي المدينة المجاورة لمدينته، هو خير مثال على مقولة غازي القصيبي: “الأساطير تنتهي نهاية دامية”، الشاب الذي صنع الأفراح ليالي كثيرة، ورفع أسماء استرقت ضوءا من ضوئه لا يستحق هذه النهاية، لا يستحق أن يغادر من الباب الصغير، وإن كان نور نفسه قد ظلم نفسه أيضا، لكن رصيده الكبير يشفع له في نهاية لائقة بأسطورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الرجاء تعطيل إضافة مانع الإعلانات حتى تواصل تصفح الموقع